زوجات النبي

زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-

تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى عشرة امرأة ماتت اثنتان منهما في حياته وهما خديجة بنت خويلة وزينب بنت خزيمة، ومات النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تسع نسوة وهن: سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وام حبيبة بنت أبي سفيان، وميمونة بنت الحارث، وصفية بنت حيي.

خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، وأمها هي فاطمة بنت زائدة، وخديجة هي أم المؤمنين، هي أول زوجة تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأول من أسلم من الرجال والنساء.
ولم يتزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجاهلية غير خديجة، ولا تزوج عليها أحدا من نسائه حتى ماتت.

كانت خديجة بنت خويلد تدعى في الجاهلية بالطاهرة، وكانت زوجة عتيق بن عمر بن مخزوم، فولدت لعتيق هند بن عتيق، لذلك كانت تكنى به.
ثم تزوجها بعد عتيق أبو هالة مالك بن النباش، فولدت له هند بن أبي هالة، وهالة بن أبي هالة، فهند بن عتيق وهند وهالة بن أبي هالة كلهم إخوة لأبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- من جهة الأم.

سبب زواج خديجة من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما علمته من صدق حديثه وأمانته وكرم أخلاقه.
وكانت خديجة تاجرة ذات شرف ومال، فعرضت عليه أن يخرج بتجارة لها للشام، وكان معه غلامها ميسرة.
ورأى ميسرة ما رأى من حسن معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمانته وصدقه، وما ظهر على يديه من الكرامات، فلما رجع أخبر خديجة بما رأى فعرضت نفسها عليه، فأخبر أعمامه وذهب للزواج منها.
وكان الذي زوج خديجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- عمها عمرو بن أسد حيث قال عن النبي: “محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة بنت خويلد، هذا الفحل لا يقدع أنفه”.

لما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خديجة كان سنها أربعون عاما، وكان رسول الله ابن خمس وعشرون سنة.
وتوفيت وسنها أربع وستون سنة وستة أشهر، فمكثت معه أربعا وعشرين عامان.

لم يختلف العلماء أن أولاد النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم من خديجة، إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، وقد مات صغيرا.
ولدت خديجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ذكورا وبنات وهم: القاسم وهو أكبر ولده، ومات صغيرا بمكة، ثم زينب، ثم عبد الله وكان يقال له الطيب والطاهر ولد بعد النبوة ومات صغيرا أيضا بمكة، ثم رقية ثم أم كلثوم، ثم فاطمة.
وقد أدرك بناته كلهن الإسلام فأسلمن وهاجرن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.

ورد في فضائل أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- الكثير من الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تبين لنا مكانتها وفضلها منها:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة ‌من ‌قصب ‌لا صخب فيه ولا نصب)البخاري
وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (حسبك من نساء العالمين: مريم ابنة عمران، ‌وخديجة ‌بنت ‌خويلد، وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون)الترمذي

عبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وفائه وحبه لخديجة -رضي الله عنها- بعد موتها في أكثر من مناسبة، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
(ما غرت على امرأة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ‌ليذبح ‌الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن)البخاري
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر خديجة أثنى عليها، فأحسن الثناء.
قالت: فغرت يوما، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله -عز وجل- بها خيرا منها، قال:
(‌ما ‌أبدلني الله -عز وجل- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله -عز وجل- ولدها إذ حرمني أولاد النساء)أحمد

توفيت أم المؤمنين خديجة قبل الهجرة بثلاث سنوات، ودفنت في الحجون، قال أبو عمر: يقال إنها كانت وفاتها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.

هي سودة بنت زمعة بن قيس، وأمها الشموس بنت قيس الأنصارية، كانت زوجة لابن عم لها اسمه السكران بن عمرو، وكان السكران قد هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته سودة بنت زمعة وتوفي هناك.

تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- سودة بنت زمعة بمكة بعد موت خديجة -رضي الله عنها- وبعد أن عقد على عائشة -رضي الله عنها-.
وكان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من سودة تكريما لها ولزوجها الذي مات عنها بعد هجرة الحبشة الثانية، فلم تكن ذات جمال، وإنما كانت ذات عيال، ولم يكن لهم من يعولهم.

لما كبر سن سودة بنت زمعة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن لها رغبة فيما يرغب فيه النساء، وهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطلاقها حتى لا تكون في حرج من عدم قيامها بما أوجبه الله عليها قالت:
لا تطلقني وأنت في حل من شأني، ولا أريد ما يريده النساء، وإنما أريد أن أحشر في زمرة أزواجك، وإني قد وهبت يومي لعائشة، فأمسكها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توفي عنها مع سائر من توفي عنهن من نسائه.
ومات النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل موتها ولم تصب منه ولدا.

توفيت سودة في آخر خلافة عمر بن الخطاب، ويقال: ماتت سنة أربع وخمسين.

هي عائشة بنت أبي بكر الصديق، صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وزوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمها أم رومان بنت عامر، ولدت عائشة بعد المبعث بأربع سنين أو خمس.

كان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة بعد موت خديجة بثلاث سنين، حيث ماتت خديجة قبل هجرته إلى المدينة بثلاث سنين.
وخطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث سنين، وهي سبع سنين، ودخل بها بالمدينة وهي ابنة تسع سنين.
وكان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة في شهر شوال، وكانت تحب أن تزوج غيرها في هذا الشهر.
ولم يتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بكرا غير عائشة.
قال ابن حجر: “وفي الصّحيح أيضا لم ينكح بكرا غيرها، وهو متفق عليه بين أهل النقل، وكانت تكنى أم عبد اللَّه، فقيل: إنها ولدت من النبي -صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- ولدا فمات طفلا، ولم يثبت هذا. وقيل كناها بابن أختها عبد اللَّه بن الزبير.

لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول الخاطبين لعائشة، بل كانت تذكر لجبير بن مطعم ليتزوجها، مما يدل على أن هذا الأمر مما تعارف عليه العرب في بيئتهم.
ومن المعروف طبيا أن البلوغ يكون في المناطق الحارة أسرع منه في المناطق الباردة.
لو كان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة في هذا السن الصغير يطعن في نبوته لكان أولى الناس بهذا الطعن المشركون من قريش، لكن عدم طعنهم يدل على أن هذا من الأمور المعروفة عندهم.
وزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة -رضي الله عنها- وهي هذا السن، ليس بأشد من زواج مريم -عليها السلام- وهي بنت 12 عاما من يوسف النجار وهو يزيد على التسعين عاما، كما يقول النصارى.
وتزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنها- كان بأمر من الوحي.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: (أريتك في المنام مرتين، أى أنك في ‌سرقة ‌من ‌حرير، ويقال: هذا امرأتك، فاكشف عنها، فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه)البخاري
ورؤيا الأنبياء وحي من الله.

توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عائشة -رضي الله عنها- وهي بنت ثمان عشرة سنة، وقد مكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معها تسع سنين.
فعن ‌عائشة -رضي الله عنها- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولعبها معها، ومات عنها وهي ‌بنت ‌ثمان ‌عشرة)مسلم

كان لعائشة -رضي الله عنها- الكثير من الفضائل التي جعلتها ترجح على غيرها من زوجات النبي -صلى الله عليه سلم-.
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن ‌فضل ‌عائشة ‌على ‌النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)البخاري
وكانت أحب زوجات النبي إليه، عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: ‌أي ‌الناس ‌أحب ‌إليك؟ قال: (عائشة).
فقلت: من الرجال؟ فقال: (أبوها). قلت: ثم من؟ قال: (عمر بن الخطاب). فعد رجالا.البخاري
ومن فضائلها أن الله أنزل في شآنها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة يبرؤها الله فيه مما رميت به من الإفك فقال الله: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا ‌بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

طال عمر عائشة -رضي الله عنها- بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- واحتاج الناس إلى علمها، فنفع الله بها، وتحدث الكثير عن علم عائشة -رضي الله عنها- وبينوا فضلها على غيرها.
فقال مسروق: “رأيت المشيخة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأكابر يسألونها عن الفرائض”.
وقال عطاء بن أبي رباح: “كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة”.
وقال الزهري: “لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل”.

توفيت عائشة -رضي الله عنها- سنة سبع وخمسين، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، أمرت أن تدفن ليلا، فدفنت بعد الوتر بالبقيع.
وصلى عليها أبو هريرة، ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر.

هي حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم المؤمنين، كانت من المهاجرات.
ولدت قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أعوام، وكانت هي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن الأكبر إخوة لأب وأم، وكانت أمهم زينب بنت مظعون.

كانت حفصة -رضي الله عنها- قبل أن يتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجة لخنيس بن حذافة السهمي، شهد خنيس بدرا وتوفي بالمدينة من جراحة أصابته يوم أحد.

تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حفصة بعدما تأيمت من زوجها خنيس بن حذافة الذي مات بجراح أصابته في غزوة بدر، وكان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من حفصة بعد عائشة، وكان ذلك سنة ثلاث من الهجرة، ولم يرزق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حفصة بولد.

طلق النبي -صلى الله عليه وسلم- حفصة ثم راجعها، عن عاصم بن عمر: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلق حفصة بنت عمر بن الخطاب، ثم ارتجعها)أحمد
وقال ابن عبد البر: فطلقها تطليقة، ثم ارتجعها وذلك (أن جبريل – عليه السلام – قال له راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة)طرح التثريب
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال: ما يبكيك؟ لعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد طلقك؟ إنه قد كان طلقك ثم راجعك من أجلي، وايم الله لئن كان طلقك، لا كلمتك كلمة أبدا)موارد الظمآن إلى زوائد بن حبان

عن مالك أنه قال: ماتت حفصة عام فتحت إفريقية، ومراده فتحها الثاني الّذي كان على يد معاوية بن خديج، وهو في سنة خمس وأربعين، وأما الأول الّذي كان في عهد عثمان فهو الّذي كان في سنة سبع وعشرين فلا. الإصابة في تمييز الصحابة

محتوى أكورديون

هي زينب بنت خزيمة الهلالية من بني هلال بن عامر، وهي أخت ميمونة بنت الحارث لأمها.
كانت قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الطفيل بن الحارث ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث أحد شهداء بدر، وقيل: كانت تحت عبد الله بن جحش، قال ابن شهاب: كانت زوجة لعبد الله بن جحش، وقتل عنها يوم أحد.

تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت خزيمة في شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة وقيل: سنة أربع من الهجرة، وقدم لها صداقا أربعمائة درهم.
وكان دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- بها بعد دخوله بحفصة بنت عمر بن الخطاب.

كانت تعرف زينب بنت خزيمة أم المؤمنين بأم المساكين، وسميت بذلك لكثرة إطعامها وصدقاتها على المساكين.

كان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت خزيمة تكريما لها في شخص زوجها الذي مات عنها شهيدا في سبيل الله، سواء كان عبيدة الذي توفي في بدر، أو عبد اله بن جحش كما قيل والذي توفي شهيدا في أحد.

لم تلبث زينب بنت خزيمة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا شهرين أو ثلاثة، وماتت في حياته، وعلى هذا تكون قد توفيت العام الثالث من الهجرة، أو في العام الرابع كما قيل.

هي أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- واسمها هند، وهي ابنة عمة النبي -صلى الله عليه وسلم- عاتكة، وهي قديمة الإسلام وكانت ممن هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة.
كانت قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي وهو ابن خالتها فولدت له سلمة وعمر ودرة وزينب.

لما توفي أبو سلمة زوجهاوانقضت عدتها تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم-
عن أم سلمة قالت: لما انقضت عدة أم سلمة خطبها أبو بكر فلم تتزوّجه، فبعث النبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يخطبها عليه، فقالت:
أخبر رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم- أني امرأة غيري، وأني امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهدا.
فقال: (قل لها: أما قولك غيري فسأدعو اللَّه فتذهب غيرتك. وأمّا قولك: إنّي امرأة مصبية فستكفين صبيانك.
وأمّا قولك: ليس أحد من أوليائي شاهدا فليس أحد من أوليائك شاهد أو غائب يكره ذلك)النسائي
فقالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزوجه.

مما يدل على وفور عقلها مشورتها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخرج أمام أصحابة فيحل من عمرته فإذا رأوه فعل ذلك فعلوا مثله، ففعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستجاب الصحابة وحلوا من عمرتهم.
فقد روى البخاري في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه في الحديبية: (قوموا فانحروا ثم احلقوا).
قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس.
فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج ‌لا ‌تكلم ‌أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيلحقك.
فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا)

ماتت أم سلمة -رضي الله عنها- سنة تسع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة وهي آخر أمهات المؤمنين موتا.

هي زينب بنت جحش بن رئاب بن أسد، وأمها أميمة بنت عبد المطلب، عمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي أخت عبد الله بن جحش الذي مات شهيدا في غزوة أحد، وكانت من المهاجرات وهي قديمة الإسلام.

كان زوج زينب بنت جحش قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تبناه في الجاهلية، وكانوا يقولون عنه: زيد بن محمد.

تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش بالمدينة بعد سنة ثلاث من الهجرة، وكان اسمها برة فلما دخل عيها النبي -صلى الله عليه وسلم- سماها زينب.
وكان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بزينب بعد زواجه من أم سلمة كما ذكر ابن إسحاق.
وكان هذا الزواج بعد أن أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالزواج من زوجة زيد بن حارثة بعد طلاقها وانقضاء عدتها؛ فقد كان زيد بن حارثة دائما ما يأتي للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويشتكي له من زوجته.

كان العرب ينزلون الابن من التبني منزلة الابن من النسب، فيرث الابن أباه، وبيرث الأب ولده من التبني، وكانوا لا يبيحون للوالد أن يتزوج زوجة ابنه من التبني.
فلما أراد الله أن يبطل هذا الأمر، وأن يبين أن الولد من التبني ليس كالابن من النسب، وأنه يجوز للرجل أن يتزوج بزوجة ولده من التبني، فأنزل الله في ذلك قرآنا يتلى وهو قول الله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ‌فَلَمَّا ‌قَضَى ‌زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تبنى زيد بن حارثة في الجاهلية حتى كانوا يسمونه زيد بن محمد فلما نزلت الآية نهاهم عن تسميته زيد بن محمد وأمرهم يدعوه زيد بن حارثة، وهذا قول الله: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)

بسبب أن الله هو الذي أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالزواج من زينب بنت جحش، وأنزل في ذلك قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، كانت زينب تتعالى وتتفاخر بذلك على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش، وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما، وكانت ‌تفخر ‌على ‌نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت تقول: إن الله أنكحني في السماء)البخاري

كانت زينب بنت حجش -رضي الله عنها- كثيرة الصدقات، واصلة لرحمها.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه: (‌أسرعكن ‌لحوقا ‌بي أطولكن يدا)
قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نمد أيدينا في الجدار نتطاول،
فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا،
فعرفنا حينئذ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أراد بطول اليد الصدقة قالت: (وكانت زينب امرأة صناعة اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله عز وجل)الحاكم

تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش وهي بنت خمس وثلاثين سنة، وهي أول نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- موتا بعد موته، حيث ماتت سنة عشرين وهي بنت خمسين سنة.
وصلى عليها عمر بن الخطاب ودخل قبرها أسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش آخرون، وهي أول من صنع له نعش الجنازة، ودفنت بالبقيع.

هي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق، سباها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم المريسيع والتي تسمى بغزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس.
وكانت زوجة لابن ذي الشقر واسمه كما ذكر الواقدي مسافع بن صفوان، وقد قتل في غزوة بني المصطلق.

كان من حكم زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بجويرية بنت الحارث تأليف قلب قومها على الإسلام، فسبب هذا الزواج مَنَّ الصحابة على جميع الأسرى الذين وقعوا في أيديهم بإطلاق سراحهم، فكانت أعظم امرأة بركة على قومها، وبسبب زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- منها أسلم قومها.

ماتت جويرية بنت الحارث أم المؤمنين -رضي الله عنها- سنة خمسين من الهجرة، وقيل: سنة ست وخمسين، وصلى عليها مروان.

أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان وقيل: اسمها هند، وأمها صفية بنت أبي العاص وهي عمة عثمان بن عفان.
كانت زوجة لعبيد الله بن جحش الأسدي، خرج بها مهاجرا من مكة إلى أرض الحبشة مع المهاجرين.
ثم افتتن وتنصر ومات على النصرانية، وأبت أم حبيبة أن تتنصر.

ثبّت الله أم حبيبة على الإسلام بعد أن تنصر زوجها، حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزوجه إياها عثمان بن عفان.
ووي أن الذي كان وكيلا لها هو خالد بن سعيد بن العاص، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-خطبها وهي في أرض الحبشة وأن النجاشي أصدقها عنه.

لم يكن أبو سفيان وكيلا لابنته في أمر نكاحها من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه كان يومئذ مشركا محاربا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد روي أنه قيل له وهو يحارب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن محمدا قد نكح ابنتك فقال: “ذلك الفحل لا يقدع أنفه”.

تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم حبيبة سنة ست وتوفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين.

هي ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أمها هند بنت عوف، وهي خالة عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد.

من أخوات ميمونة بنت الحارث لبابة الكبرى بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب، وأسماء بنت عميس وكانت زوجة لجعفر بن أبي طالب، ثم تزوجها أبو بكر الصديق، ثم تزوجها علي بن أبي طالب.
وسلمى بنت عميس وكانت زوجة لحمزة بن عبد المطلب، ولبابة بنت الحارث الهلالية وكانت زوجة للوليد بن المغيرة أم خالد بن الوليد، وزينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها.

كانت ميمونة بنت الحارث متزوجة من رجل من بني عامر بن لؤي، ويقال كانت عند أبي رهم بن عبد العزى بن عبد ود، وقيل: عند حويطب بن عبد العزى.

تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عام عمرة القضاء سنة سبع بمكة، وبنى بها بموضع يقال له سرف على بعد عشرة أميال من مكة ودخلت معه المدينة.
وكان اسم ميمونة -رضي الله عنها- برة فسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة.
كان ولي ميمونة بنت الحارث عندما تزوجت من النبي -صلى الله عليه وسلم- العباس بن عبد المطلب،
فهو زوج أختها أم الفضل واسمها لبابة الكبرى بنت الحارث، وقد قدم العباس لها صداقا أربعمائة درهم بدلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج ميمونة وهو محرم) وبسبب هذا الحديث اختلف الفقهاء في حكم نكاح المحرم.
فذهب الحنفية إلى جواز عقد النكاح دون الدخول، وقالوا: هذا يشبه الصيام لا يمنع عقد النكاح أثناء الصيام لكن الدخول لا يكون إلا بعد الإفطار، وهكذا الإحرام لا يمنع عقد النكاح.
وقال بعضهم: تزوجها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو حلال، وظهر أمر تزويجها وهو محرم ثم بنى بها وهو حلال بسرف بطريق مكة.

زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من ميمونة كان فيه توثيق للعلاقة بينه وبين قبيلة من أعلم قبائل العرب وأشرفها.
وكان في هذا الزواج توثيق الصلة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمه العباس بن عبد المطلب، وتأليف لقلبه ولقلب زوجه أم الفضل فقد كانت أخت ميمونة.
وبعمه جعفر بن عبد المطلب فقد كان متزوجا من أختها أسماء بنت عميس، وكانت سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء.
وفي هذا الزواج أيضا تأليف لقلب خالد بن الوليد فقد كانت ميمونة خالة له؛ لأن أمه لبابة الصغرى كانت أختا لها.

ماتت ميمونة بنت الحارث زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسرف وهو الموضع الذي بنى بها فيه، وذلك سنة إحدى وخمسين وقيل: سنة إحدى وستين، فرضي الله عنها وأرضاها.

هي صفية بنت حيي بن أخطب من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران، وأمها برة بنت السموأل.
وكانت قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عند سلام بن مشكم وكان شاعرا، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق وهو شاعر فقتل يوم خيبر.

تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صفية بنت حيي سنة سبع من الهجرة، روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما جمع السبي في غزوة خيبر جاءه دحية الكلبي فقال: أعطني جارية من السبي، فقال :
اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فقيل: يا رسول الله إنها سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: خذ جارية من السبي غيرها، فاصطفاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه وصارت في سهمه ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها، وأولم عليها بتمر وسويق وقسم لها وكانت إحدى أمهات المؤمنين.

يُروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على صفية وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: بلغني أن عائشة وحفصة تنالان مني وتقولان:
نحن خير من صفية، نحن بنات عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه.
قال: ألا قلت لهن: كيف تكن خيرا مني، وأبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

كانت صفية حليمة عاقلة فاضلة، وتوفيت في شهر رمضان في زمن معاوية سنة خمسين.

Facebook
Twitter
Pinterest
Telegram
WhatsApp